سورة غافر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)}
{وسلطان مُّبِينٍ} وحجة ظاهرة وهي المعجزات، فقالوا: هو ساحر كذاب، فسموا السلطان المبين سحراً وكذباً {فَلَمَّا جَاءهُمْ بالحق} بالنبوّة، فإن قلت: أما كان قتل الأبناء واستحياء النساء من قبل خيفة أو يولد المولود الذي أنذرته الكهنة بظهوره وزوال ملكه على يده؟ قلت: قد كان ذلك القتل حينئذ، وهذا قتل آخر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قَالُواْ اقتلوا} أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولاً، يريد: أن هذا قتل غير القتل الأول {فِى ضلال} في ضياع وذهاب، باطلاً لم يجد عليهم، يعني: أنهم باشروا قتلهم أولاً فما أغنى عنهم، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه، فما يغني عنهم هذا القتل الثاني، وكان فرعون قد كفّ عن قتل الولدان، فلما بعث موسى وأحسّ بأنه قد وقع: أعاده عليهم غيظاً وحنقاً، وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى، وما علم أنّ كيده ضائع في الكرتين جميعاً.


{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)}
{ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} كانوا إذا هم بقتله كفوه بقولهم: ليس بالذي تخافه، وهو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا بعض السحرة، ومثله لا يقاوم إلاّ ساحراً مثله، ويقولون: إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس، واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضته بالحجة، والظاهر أنّ فرعون لعنه الله كان قد استيقن أنه نبيّ، وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر، ولكن الرجل كان فيه خب وجربزة، وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه ويهدم ملكه، ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك. وقوله: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه، وكان قوله: {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} تمويهاً على قومه، وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلاّ ما في نفسه من هول الفزع {أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أن يغير ما أنتم عليه، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام، بدليل قوله: {وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ} [الأعراف: 127] والفساد في الأرض: التفاتن والتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش، ويهلك الناس قتلاً وضياعاً، كأنه قال: إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه. أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه. وفي مصاحف أهل الحجاز {وأن يظهر} بالواو، ومعناه. إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معاً. وقرئ: {يُظْهِرُ} من أظهر، والفساد منصوب: أي: يظهر موسى الفساد. وقرئ: {يَظَّهَّر} بتشديد الظاء والهاء، من تظهر بمعنى تظاهر، أي: تتابع وتعاون.


{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)}
لما سمع موسى عليه السلام بما أجراه فرعون من حديث قتله: قال لقومه {إِنّى عُذْتُ} بالله الذي هو ربي وربكم، وقوله: {وَرَبِّكُمْ} فيه بعث لهم على أن يقتدوا به، فيعوذوا بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال: {مّن كُلِّ مُتَكَبّرٍ} لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة، وليكون على طريقة التعريض؛ فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر: الاستكبار عن الإذعان للحق، وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة صاحبه ومهانة نفسه، وعلى فرط ظلمه وعسفه، وقال: {لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة، فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده، ولم يترك عظيمة إلاّ ارتكبها: وعذت ولذت: أخوان. وقرئ: {عت} بالإدغام.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8